جذور الاستقرار الأندلسي بتطوان




مما لا شك فيه أن الهجرة المعروفة والأكثر أهمية من الأندلس إلى مدينة تطوان، هي تلك التي حدثت سنوات قليلة قبل سقوط مملكة غرناطة، آخر معقل للإسلام بشبه الجزيرة الإيبيرية بيد المسيحيين نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، أي حينما هاجر أبو الحسن علي المنظري نحو هذه المدينة التي كانت آنئذ مدينة مخربة ومهجورة خلال قرن تقريبا.

وقد هاجر بصحبة القائد المنظرى عدد من العائلات الغرناطية التي تولت إعادة بناء تطوان حوالي سنة 889 1484 م، واستقرت بها بعيالها وتقاليدها وعاداتها، مجسدة بذلك الحياة الجديدة للأندلسيين المغاربة في هذه المدينة التي أضحت تعرف منذ تلك الفترة بـ"غرناطة الصغيرة" وبـ"أخت غرناطة"، نظرا لطابع الحياة الذي كان يحياه سكانها الجدد، والمطبوع بروح غرناطية.

أما بخصوص عدد المهاجرين الذين وفدوا مع القائد المنظري إلى تطوان وجددوا بناءها، فهناك ثلاث روايات:
- رواية العلامة أبي حامد الفاسي المتوفى بتطوان (1052 )، ذكر أن عددهم كان ستة وأربعين رجلا وعشر نسوة.
- رواية أبي محمد سكيرج (ت 1250 )، مؤرخ تطوان، الذي ذكر أن عددهم كان نحو الثمانين.
- ورواية "صاحب مخطوط قديم" كتب بتطوان، يذكر أنهم كانوا نحو الأربعين دارا.

وقد وافق محمد داود بين الروايات الثلاث قائلا: «وهذه الروايات الثلاث وإن كانت في الظاهر مختلفة، إلا أن من الواضح أنه لا منافاة بينها، ومن السهل الجمع بينها بأن عدد أولئك المهاجرين كان ثمانين شخصا منهم ستة وأربعون رجلا وعشر نسوة ونحو عشرين طفلا، وأنهم كانوا يسكنون نحو الأربعين دارا». ويضيف الفقيه داود قائلا: «والذي يظهر أن بعض الذين هاجروا من الأندلس إلى المغرب كانوا أولا منفردين، لأنهم عند خروجهم من وطنهم كانوا يجهلون مصيرهم، فلما استقر بهم الحال رجعوا بأنفسهم أو بعثوا إلى من تخلف من أقاربهم أو أصدقائهم، فجاءوا بمن بقي من أهلهم. وعلى كل الروايات، فإن هؤلاء المهاجرين الأولين إنما كانوا يعدون بالعشرات، لا بالآلاف ولا بالمآت. ولكن مما لا شك فيه أنه وصل عدد آخر من المهاجرين بإثر ذلك، خصوصا بعد أن أكمل بناء المراكز الأولى بتطوان واستقر بها أهلها، وتم استيلاء الإفرنج على غرناطة، وقضى على آخر دولة إسلامية بالأندلس.. إن المهاجرين الذين وفدوا على تطوان عقب احتلال غرناطة كانوا من الكثرة والأهمية بحيث يعدون بالمآت والآلاف، في حين أن السابقين إنما كانوا يعدون بالعشرات فقط».

وبعد استقرار الأندلسيين الأوائل، تواصلت عمليات الهجرة سرا وعلانية إلى المدينة التي كانت تشبه إلى حدّ كبير البيئة الأندلسية، فقد ارتبط وصول الهجرات الأندلسية إلى تطوان ارتباطا مباشراً بسقوط غرناطة في أيدي الملكيْن الكاثوليكيين، ولقد ساهم الموقع الاستراتيجي لمدينة تطوان في استقطاب نسبة مهمة من المطرودين، لقرْبها من الضفة الجنوبية للمتوسط. كما أن الاستقبال الحار الذي خصّه المهاجرون الأوائل للقادمين الجُدد كان يغري بالاستقرار في مدينة كانت تزدهر ازدهاراً يوازي سرعة تكاثر سكانها، ولم تشكل هذه الهجرات ظاهرة منفردة أو خاصة، بل إنها كانت تشكل جزءا من هجرات المورسكيين من غرناطة إلى البلدان الأخرى المتوسطية، المسيحية منها والمسلمة بصفة خاصة.

ومن الطبيعي أن يمثل المهاجرون الأولون المرافقون للقائد علي المنظري سكان تطوان الأصليين، فإليهم يرجع الفضل في إعداد الفضاء المناسب للمهاجرين اللاحقين في مختلف مراحل الهجرات.
وتقول وثيقة عثر عليها الدكتور حسين بوزينب في أرشيف سيمانكاس، مؤرخة في 30 مارس 1614 م: «إن أغلب المورسكيين الذين ظلوا هنا من بين أولئك الذين طردوا من الأندلس ومملكة غرناطة، والعديد من مورسكيي أراغون، كانت نهاية مطافهم في تطوان وضواحيها»
.
ولقد استمر تدفّق المهاجرين الأندلسيين على تطوان بوتيرة متباينة، فهم لم يهاجروا من غرناطة وأحوازها فقط، بل من جميع أرجاء إسبانيا، وخاصة من قشتالة وأرغون، وكان هؤلاء المورسكيون الذين تنصّروا في الظاهر يدينون بالإسلام سرا، ولم تشملهم قرارات النفي الأولى في 1566-1567. أما عملية الطّرد الكبرى التي أمر بها فليب الثالث سنة 1609 م فقد شملتهم جميعا. واستقبلت تطوان كذلك مهاجرين أندلسيين كانوا قاصدين مدنا ونواحي أخرى من المغرب. ولعل أبرز مثل على ذلك، جماعة بأسرها، وهي جماعة الهرناتشيين التي مرّت بتطوان قبل أن تتابع طريقها نحو الرباط حيث استقرت بصفة نهائية
.
وكان هؤلاء المهاجرون المتأثرون بالمجتمع السائد الذي عاشوا فيه منذ الأسلاف الأوائل قد وجدوا صعوبة أكثر للتكيف مع المجتمع المغربي المسلم، إلا أن هذه الصعوبات كانت أقلّ في تطوان (كما في الشاون)، وكان الاندماج الاجتماعي للمهاجرين سهلا نسبيا نظراً أولا لأواصر القرابة التي كانت تربطهم بالسكان المستقبلين، ونظراً أيضا للتشابه بين الوطن الأصلي وبلد الاستيطان، الشيء الذي لم يتوفّر في مناطق أخرى من المغرب (بالنسبة لهورنتشيي الرباط مثلا).

        وليس من شك في أن تطوان نالت حظا وافرا من حصة المهاجرين الأندلسيين لأسباب كثيرة، يأتي أهمها قربها من الأندلس، والذي مكنهم «استنشاق هواء إسبانيا»، كما قال "الروخاسRojas "، إذ يكاد المهاجر يقطع بوغاز جبل طارق حتى يجد تطوان في مقدمة المدن التي تستقبله، فيفضل الإقامة بها على مواصلة الترحال إلى مدن أخرى، ولسبب آخر بالغ الأهمية هو أن مجددها أبا الحسن علي المنظري، قائد أندلسي، جددها على الصورة التي كانت عليها غرناطة، مما جعل المهاجرين يشعرون بأنهم مقيمون في غرناطة تحمل اسم تطوان

وأصبح سكان المدينة في الثلث الأول من القرن السابع عشر يعرفون زيادة هامة في العدد وتباينا في الأصل. فقد وصلت نسبة الأندلسيين إلى الربع ¼ من مجموع المهاجرين إلى المغرب، أي حوالي10.000. فعلاوة على "الأندلسيين" الذين تنعتهم المؤلفات الأوربية بـ "الموروس" maures هناك المورسكيون الذين يعتبرهم الرحالة الأجانب عامة «ظرفاء ومتحضرين ولطاف مع المسيحيين»، كما كان هناك اليهود من أصل أندلسي في غالبيتهم.  وحسب وثيقة يهودية ترجع إلى 1610-1613 م وتعتمد على سجلات الضرائب، «فإن اليهود كانوا يمثلون عُشر سكان المدينة»

Share on Google Plus

About Mohamed

انا اسمي عمرو محمد مدون مصر لدي خبرة في تدوين وتصميم وبرمجة ثلاث سنين اطمح الوصل الي القمة وارضاء زواري وكل متتابعين
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق